ماكنت أتوقّع أن رحلتي إلى منطقة عسير، الي انطلقت بأفكاروخطط واضحة، بتخليني في نهايتها أحول إلى مشروع مختلف تمامًا
مشروع بدأ كفكرة هامشية، وتحول إلى المشروع الأساسي
ضمن مشروع "جائزة المملكة الفوتوغرافية"، تم تكل مع مجموعة من الفنانين المحليين والدوليين لتكليف من هيئة الفنون البصرية، للعمل على مشاريع فوتوغرافية مستلهمة من عسير
. . .
في أول الأيام، مرينا بجولة على مدن وقرى عسير









بعد الجولة حسّيت إني متشتت. كنت متوقع إن عندي فكرة شاملة عن عسير من اللي قريته وشفت عنها على مدى سنوات، بس الواقع كان مختلف. التنوع الثقافي والبيئي هناك كان أكبر مما كنت متخيلة
كل جولة أحصل شي جديد يشدّني، وكل فكرة تطلع لي فكرة أفضل منها، وصرت أتنقّل بين المواضيع بدون ما أركز على واحد





بديت أحس الإحباط وحسيت اني قاعد اضيع وقتي بين عدة مواضيع. أخفف من مدة الجولات العشوائية واحاول اني استغل باقي الوقت للجلسة مع زملائي الفنانين للنقاش عن افكاري والمشاكل الي واجهتها. كذالك نسقت زيارات لباحثين وفنانين من عسير. للبحث عن مواضيع مختلفة فيها قابلية للعمل عليها وانتاج مشروع متكامل
نذكر سالفة اني كنت اطلع طلعات ميدانية ومنها اقيس المشروع والبيانات الي جمعهتا فيه وقابلية تطبيقة قبل نهاية مدة التكليف

طلعت من جلسات النقاش بكم فكرة جديدة ومتحمس لها ، وبديت من جديد في جولاتي الميدانية.
نذكر اني اشتغلت على المشاريع وطلعت خارج موسمها او واجهت مشاكل في العقبات والتضاريس
من ضمنها كان مشروع عن مزارعي البن في أحد الأودية الواقعة في جبال حورة قيس
لكن صار فيه تحول عجيب أثناء عملي عليها. لفت انتباهي وجود محطة وقود صغيرة بجوار مزرعة معزولة. كان المشهد غريب وغير مألوف، خصوصًا في منطقة نائية تفتقر للطرق المعبّدة ويصعب الوصول إليها. دفعني فضولي أسئل صاحب المزرعة عن قصتها،وقالي ان والده هو من أسّس ها المحطة قبل سنوات، بدافع إنساني، للتخفيف من معاناة سكان القرية الي كانوا يواجهون صعوبة في الوصول إلى المحطات الواقعة خارج منطقتهم


لكن سرعان ما واجهت تحديات جديدة ظهرت أثناء تواجدي في الميدان. تبيّن لي أن بعض المشاريع مرتبطة بمواسم معينة خلال العام، بينما الأخرى كان الوصول إلى بعض مواقعها تحدي ماحسبت حسابة. لذا قررت تعليقهن مؤقتًا، لتنفيذها في زيارات مستقبلية إن شاء الله وكملت على تجارب لمشاريع ثانية
نذكر اني بديت اعيد حساباتي وبسبب ترددي للمرة الثانية عزمت على اكمال مشروع المحطات. فيه بوادر اني ممكن انجزة


ذيك اللحظة كانت بمثابة نقطة تحوّل رجعتني إلى بداية الإقامة، يوم بديت مشروع لتوثيق محطات الوقود، ولاكملته. كان تركيزي وقتها على المحطات ذات الطابع المعماري المميز. لكن بعد أول جولة ميدانية خارج أبها، وضح لي أن المشروع يتطلب جهدًا ووقت عالي. البحث والوصول للمحطات الي لازالت تحمل ذات الطابع المعماري الفريد ماكان سهل خاصة ان بعد عدة محاولات محبطه أهدرت فيها ساعات من القيادة للوصول لمحطة مزالة او تم تغيير ملامحها

مثال علي محطة وقود اتواصلنا مع شخص دلنا عليها والصورة بقوقل مابزعلى اليمين تبين شكلها الفريد بطابع محلي
وبعد ساعة من القيادة حصلنا انه تم شطب ملامحها وتحولت لها الشكل الي على اليسار
بعد عدة محاولات محبطة خفت إني أستنزف كامل وقت الإقامة على مشروع ممكن مايكتمل، فقررت التراجع وتجربة مسارات أخرى، لكن بعد ها الصدفة. رجع لي حماسي من جديد، وقررت أن أستثمر ما تبقّى من فترة الإقامة لإعادة إحياء المشروع، ومنحه فرصة أخرى
. . .
بعد انتهاء فترة الإقامة، جلست أراجع الصور الي التقطتها لمحطات الوقود، و تواصلت مع عدد من الي قدرت الوصول لهم من ملاكها، تقبلو فكرة المشروع بحفاوة وحكو لي القصص التي شاركوها عن خلفيات إنشائها والتفاصيل التي تميزها. لاحظت من حديثهم أن المحطات لها ذوق فني وطابع خاص من أصحابها
رجعت أراجع الصور وأصنّفها تمهيدًا لاختيار الأعمال الي ستُعرض في المعرض، لكن مع كل مراجعة، كان يجيني شعور بأن المشروع ما اكتمل. وماكنت راضي تماماً عن النتيجة النهائية و أثناء نقاشي مع القيم الفني انطرحت فكرة العودة إلى عسير، هذه المرة بشكل مستقل وعلى حسابي الشخصي، منها اوثق المحطات من جديد الي ماعطيتها حقها وارصد محطات جديدة ومنها أقابل الملاك شخصياواسجل قصصهم. رحب بالفكرة وأيدني عليها، كنت أدور سبب يحفزني أرجع. لعسير لإكمال المشروع

سويت خطة ميدانية دقيقة، حددت فيها المسارات الجديدة والمحطات الي تحتاج إعادة، جهّزت سيارتي وعدتي و انطلقت على عسير
كنت متحمس أرجع بسيارتي ، لأن ها الفرصة بتخليني اركز اكثر على المشروع وتعطيني مرونة اكبر في الوقت الي راح اقضية في كل موقع بدون ما اشيل هم مشوارالرجعه للفندق

للأسف، بداية الرحلة جتني أعراض التهابفي الحلق توقعت إنه بسيط. لكن في منتصف الطريق، الأعراض تضاعفت واتضح لاحقًا إنها عدوى فيروسية كانت منتشرة وقتها. لكن رغم التعب والمرض، ما قدرت ألغي الرحلة لأني خفت ان الفرصة ما تتكرر


للأسف، اضطرّيت ألغـي أهم جزء من الرحلة: لقاء ملاك المحطات وسماع قصصهم. كنت متخوف من نقل العدوى لهم، وذا الشي أحبطني، لأن هاللقاءات كانت بالنسبة لي الجزء الأهم
. . .
قطعت مسافات طويلة بين جبال وعقبات عسير، متنقّلًا من بلدة لأخرى، باحثًا عن تلك التي ما زالت تحتفظ بهويتها الأصلية، أو على الأقل لم تُفقد ملامحها الأساسية



















توضح الخريطة مواقع المحطات الي صورتها على مستوى عسير
الحمد لله، في ختام هالتجربة الجميلة، تشرفت بعرض المشروع في "حي جميل" بمدينة جدة ضمن معرض جائزة المملكة الفوتوغرافية التي نظمتها هيئة الفنون البصرية، كخطوة أولى لمشاركة القصص والصور اللي جمعتها خلال الرحلة





من مشروع مهمل في بداياته، تحوّل هذا العمل إلى رحلة بصرية واجتماعية عميقة تستكشف هوية المكان، وتسلط الضوء على شكل جديد من أشكال المعمار الشعبي غير الرسمي. يعكس المشروع كيف يمكن لشي هامشي ماننتبه له، مثل محطة الوقود ، أن تحكي قصصاً غنية تعكس ذوق السكان وذاكرتهم، وطريقتهم الفريدة في التعبير عن ذاتهم
قبل أن أختم
لا يسعني إلا أن أعبّر عن شكري لكل من كان له دور في تشكيل هذه التجربة ودعم هذا المشروع
محمد سومجي، الذي فتح لي باب هذه الفرصة باختياري ضمن الفنانين وعلى دعمة وتوجيهي طول الرحلة
فريق هيئة الفنون البصرية على دعمهم المتواصل، وبالأخص شادن التريكي، التي تابعت كافة التفاصيل
زملائي الفنانين الذين شاركوني هذه الرحلة وتحولو لأصدقاء، إلهام الدوسري، لينا جوشي، هشام غرطاف، ومحمد مهدي. كان دعمهم وتواجدهم مصدر إلهام ومساندة حقيقية
أبو هاني على كرمه وطيبته، وإبنه عبدالله الذي تحمّل مشاويري الطويلة والمجهدة داخل عسير
محمد أل عبد المتعالي، حسن إبنه استضافتهم الكريمة، وما قدموه لي من إلهام وتوجيه
وإبراهيم فتحي على تنسيقه مع السكان المحليين وتسهيله للكثير من اللقاءات
ولكل من قدّم لي معلومة، أو لحظة دعم، أو مساعدة خلال هذه الرحلة كل الامتنان والتقدير لكم
شكراً